
كتب: أنيس أبي سعد
تمر الأيام ولا أزال في حالة الإنكار لواقع رحيلك، أرفض واقع أنك لم تعد هنا في مكتبك، في منزلك، بين أهلك و بين أصدقائك، أرفض أن القلب الذي ينبض حباً، حياةً وإنسانية قد توقف، أن الوجه ”البشوش” وتلك الضحكة الجميلة قد اختفت.
أين من أعطى على حساب نفسه ولم يطلب شيئاً؟ أين من ضحى؟ أين من لم يتعب يوماً؟ أين من لم تهزمه معركة؟ أين من لم ترهقه حرب؟ أين السياسي المحنك؟ أين الأب الحنون؟ أين الصديق الوفي؟ أين الأخ العزيز؟ أين صاحب القلب الأبيض والكبير الذي يساع الجميع؟ أين مسعود؟ رحل مسعود، رحل دون أن يودع أحد.. أيقونة المقاومة لم تسقط.. ها هو بجوار الآب في السماء.
لم يطلب مسعود الأشقر يوماً شيئاً لنفسه ولم يخدم الإنسانية طمعاً بمقبال، لم يغدر برفاقه ولم يتخلى عن حلم لبنان، قاوم، دافع، آمن… وانتصر.
مع ألم الرحيل، أدرك اليوم جيداً أنني محظوظ لأنني عرفتك، لعلي كنت الأصغر سناً بين الذين واكبوك منذ عشرة أعوام، ومن المؤكد أنك كنت أبي الثاني، أباً يملك من الفضل ما يكفي على شخصيتي اليوم، علمتني الكثير… شكراً.
رحلت يا مسعود ولم ترحل، إن قوة روحك الحاضرة بيننا لا يمكن إلا أن نشعر بها كل يوم، وعند كل خطوة.. لم أعاصر فترة مقاومتك دفاعاً عن لبنان لا بل لم أكن قد ولدت بعد.. لكنني عاصرت مرحلة دفاعك عن الإنسانية وخدمة الآخر، ولعل ذلك أكثر ما علق في ذهني عنك، أستذكر أنك لم ترد يوماً أحداً خائباً من الذين قصدوك، أذكر أشخاصاً أبكتهم الحياة بقساوتها وساندتهم… أذكر أشخاصاً لا تعرفهم وساعدتهم… أذكر أشخاصاً غدروك وسامحتهم… أذكر أشخاصاً حاربوك وعندما احتاجوا إليك كنت أول من يقف إلى جانبهم.
أعرف أنك حلمت.. حلمت بلبنان الجميل، ببيروت عروسة المتوسط وبأشرفية أفضل.. الأشرفية الأحب على قلبك.
سألتك يوماً عن صورة في مكتبك تعود لحرب المئة يوم، ابتسمت وأجبتني ”راحوا كلن وبقيت الأشرفية”، أذكر صور رفاقك في وحدات الدفاع، سألتك عنهم. رددتهم أمامي إسم إسم وقلت لي :”مسعود وفي”… سألتك عن صورة داني شمعون و جبران التويني جاوبتني: ”صاروا فوق، إنتو الجيل الطالع صلولن” … سألتك عن صورة الرئيس كميل شمعون، جاوبتني: ”لا يتكرر” … سألتك عن صورتك مع الرئيس عون: ”جاوبتني ما تركت قصر بعبدا يوم، بقينا حد الشرعية لآخر نفس” وسألتك عن صورتك مع الرئيس بشير الجميل جاوبتني : ” نحنا الروح والباقي من بشير، أنا بفتخر ما تركت الرئيس ولا يوم، أنا إلي ببشير قد ما إلو غيري وأكتر.. أنا ما غدرت برفاقنا ووقت اندارت البارودة على الداخل، أنا كبيت البارودة” وسألتك وسألتك وسألتك… ولم تتعب يوماً من إجابتي.
كيف ننسى مسعود؟ كيف ننسى المقاوم، الوفي، الصادق، الطيب، النشيط، المحنك، الصلب، الخدوم، الآدمي، النظيف؟ كيف ننسى الذي لم ينسانا يوماً؟
بكل فخر… لقد عاصرت مسعود الأشقر.. هذه الكلمات القليلة تختصر الكثير.. يوماً بعد يوماً يسكن ذاكرتنا وقلبنا أكثر فأكثر.