
د. طلال حمود
بعد تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشية في لبنان وفي اطار مساعيه الهادفة للتنبيه من مخاطر الازمة التي تطال القطاع الصحي والإستشفائي في لبنان، أطلق ملتقى “حوار وعطاء بلا حدود” لإنقاذ القطاع الصحي والإستشفائي في لبنان، حملة بعنوان انقذوا القطاع الصحي في لبنان… وفي بيان وزعه مُنسّق الملتقى الدكتور طلال حمود على وسائل الإعلام، اعلن ان الملتقى اطلق هذه الحملة لرفع الصوت عالياً لإنقاذ هذا القطاع الذي يعتبر من اهمّ القطاعات الحيوية في لبنان لأن تدهور حالته سيكون له تداعيات خطيرة على حياة معظم اللبنانيين خاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة منهم والتي تراجعت مواردها بشكلٍ كبير مؤخراً مع تفاقم الازمة اللبنانية على كل المستويات. وبعد إجراء عدّة إتصالات شملت: نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان الأستاذ سليمان هارون، ونقيبي الأطباء والصيادلة في لبنان البروفسور شرف أبو شرف والدكتور غسان الأمين، ونقيبة أصحاب الشركات المُصنّعة للأدوية في لبنان السيدة كارول أبي كرم ونقيبة الممرضين في لبنان السيدة ميرنا ضومط ، توافق الجميع على ان هذا القطاع بحاجة الى اوسع حملة إعلامية ممكنة والى اوسع حملة توعية وتضامن من اجل فرض إجراءات إنقاذية سريعة لمنع حصول كارثة صحية كبيرة لا يمكن لأحد ان يعرف مدى مخاطرها. وشدّدوا جميعاً على ضرورة الضغط السريع على حاكم مصرف لبنان والسعي لدى وزير الصحة وكل المعنيين في الحكومة اللبنانية لتغيير الآليات والتعاميم الصادرة عن حاكم مصرف لبنان والمعتمدة حالياً لإستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية.
و إتفق الجميع على أن القطاع الصحي والإستشفائي في لبنان يمرّ كما باقي القطاعات الأساسية كالسلع الغذائية الضرورية والقطاع التعليمي الخاص والعام الذي شهد صعوبات جمّة نتيجة عدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط المدرسية والدولة على إيفاء المستحقّات المتوجّبة عليهم لتلك المؤسسات، مما دفعها إلى تسريح عدد كبير من المعلّمين أو عدم دفع رواتبهم بشكلٍ كامل. وهي إجراءات وصلت إلى درجة العجز الكامل أو الإقفال في بعض الأحيان.
وفي بيان وزّعه الملتقى على وسائل الإعلام، أعلن الدكتور حمود أننا “ونتيجة الظروف الإقتصادية والمالية والإجتماعية غير المسبوقة، ونتيجة للأزمة التي حصلت بسبب فيروس كورونا، نشهد في لبنان ومنذ حوالي السنة تقريباً، تدهوراً مريعاً في نوعية الخدمات الصحية والإستشفائية تعود أسبابها إلى عدّة عوامل يأتي في مقدمتها إرتفاع سعر صرف الدولار وتدهور قيمة الليرة اللبنانية، مما دفع بالكثير من المواطنين إلى التوقّف عن شراء بعض أدويتهم المُكلفة كما التوقّف عن الذهاب إلى المستشفيات أو حتى إستشارة الأطباء وإجراء الفحوصات المخبريّة أو الشعاعية نتيجة للأزمة الإقتصادية الخانقة واضطرار بعض المواطنين لتوفير ما لديهم من أجل شراء حاجياتهم الأساسية وفي مقدّمتها الطعام والشراب و بعض الخدمات الأخرى كالهاتف والكهرباء والتنقل وغيرها…
وهذا ما أدّى إلى إنخفاض مداخيل المستشفيات بشكلٍ كبير بسبب عدم قدوم المواطنين إليها إلا في الحالات الطارئة أو الحرجة جدًا.
ومما زاد أيضاً من عجز المستشفيات وتدهور حالتها، عدم تسديد كل المؤسسات الضامنة التابعة للدولة أو المُلحقة بها من وزارة صحة وضمان إجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والمؤسسات العسكرية على أنواعها وكذلك شركات التأمين الخاصّة لمستحقّات المستشفيات المتراكمة عليها منذ سنوات، والتي كانت تدفعها أصلاً بالتقطير والمماطلة والسلفات المتقطّعة من حين لآخر في السنوات الماضية مع حسومات كبيرة كانت تصل أحياناً إلى ٢٠ أو ٣٠ في المئة.
لكن أخطر ما ضرب المستشفيات وقطاع الدواء في لبنان هو عملية إستيراد المسلتزمات الطبية والأدوية عبر تعاميم غير مدروسة بشكلٍ دقيق اتخّذها حاكم مصرف لبنان وألزم فيها الشركات التي تستورد المسلتزمات الطبية والأدوية لفتح اعتماداتها للإستيراد بنسبة ٨٥ ٪ على سعر الدولار المدعوم أي ١٥١٥ ليرة ليرة و ١٥٪ على السعر اليومي للدولار في السوق السوداء وهذا ما أدّى إلى زيادة كبيرة في أسعار كل المستلزمات الطبية والأدوية لأن الدولار في السوق السوداء ارتفع بشكلٍ جنوني ووصل إلى ٥ أو ٦ أضعاف سعره قبل بداية الازمة. ولذلك فقد عانت المستشفيات من أزمة إضافية ناتجة عن عدم قدرتها على شراء المستلزمات الطبية لأن الشركات التي تستورد هكذا مستلزمات لم تعد تسلّمها هذه المستلزمات سوى مقابل دفع الفاتورة نقداً (على الكاش) ولم تعد تقدر أن تصبر عليها كما كانت تصبر سابقاً لفترات تتراوح لأشهر أو حتى السنة أو السنتين. ذلك لأن شركات إستيراد المسلتزمات الطبية لديها أيضاً موظفيها واستحقاقتها وعليها أن تدفع للخارج بالدولار الأميركي والشركات في الخارج لا تنتظر تأجيل الدفعات لفترات طويلة.
وقد طالت مفاعيل هذه الازمة ايضاً قطاع الدواء والصيدليات تحديداً التي اقفل عدد كبير منها حتى تاريخ اليوم والتي اشار نقيب الصيادلة د غسان الأمين ان عدد كبير منها( حوالي ٨٠٠ صيدلية او اكثر) قد يضطر للإقفال قريباً اذا لم يلجئ مصرف لبنان ووزارة الصحة الى تصحيح الخلل الحاصل لمنع المجزرة المُرتكبة حالياً بحقّ هذا القطاع ايضاً .وقد شهد الجميع ان هذا القطاع يرزخ ايضاً تحت وطأة ازمة خطيرة نتيجة لذات التعاميم الصادرة عن حاكم مصرف لبنان والتي كانت ايضاً عشوائية وشملت معظم انواع الادوية “الأجنبية الغالية الكلفة” مما سيؤدي الى حركة تهريب كبيرة الى الخارج لمعظم اصناف هذه الادوية التي سيجد السيّاح وبعض ضعاف النفوس في لبنان ان سعرها اصبح اقل بحوالي ٧الى ٨ مرات سعرها خارج لبنان. ولذلك فهم سيلجئون الى تهريبها الى خارج لبنان مما قد سوف يؤدي الى إنقطاع اصناف كثيرة من الادوية المرتفعة الثمن والأساسية في علاج معظم الأمراض المزمنة مثل امراض القلب