
يشهد لبنان، مهد الحضارات ومنبع الثقافة، مسرحية عبثية تُعرض فصولها على خشبة السياسة، وآخر فصولها انتخابات بلدية بيروت. مشهدٌ يثير الأسى والغضب، إذ يتحول فيه الخطاب السياسي إلى دجلٍ مكشوف، وتُباع المبادئ بثمنٍ بخسٍ على مذبح المصالح الشخصية.
تحت رايات السيادة والحرية المرفوعة زوراً، تتلاقى أيادي من ادّعوا يوماً الخصومة، ليتحالفوا انتخابياً في مشهدٍ يندى له الجبين. كيف لمن رفع شعار رفض السلاح غير الشرعي أن يتصافح مع من اتهمه بالانقلاب على الدستور؟ وكيف لمن بكى دمار بيروت أن يتقاسم السلطة مع من تسبب في جرحها ونزيفها؟ أليس هذا نفاقاً سياسياً وإهانةً لذكاء الشعب وذاكرته؟
إنها لعبة مكشوفة، تُدار فيها الصفقات خلف الكواليس، بينما تُسوّق للناس على أنها “ضرورة انتخابية”. أية ضرورة تلك التي تبيح التخلي عن المبادئ وبيع الشعارات التي خُدع بها الناس؟ أية ضرورة تلك التي تبرر تحالف الجلاد والضحية على مسرحٍ واحد؟
إن ما نشهده اليوم في بيروت، وفي كثير من المناطق اللبنانية، ليس سياسةً بالمعنى النبيل، بل هو مشهدٌ مبتذلٌ من الانتهازية، يُقايض فيه الوطن بكرسي، والمبادئ بمناصب. خصومةٌ مصطنعة في الإعلام، تتحول إلى تحالفاتٍ مشبوهةٍ في الغرف المغلقة. تناقضٌ فاضحٌ لا يمكن تبريره بأي منطق.
أيها اللبنانيون الأحرار، لقد آن الأوان للتحرر من قيود التبعية والتصديق الأعمى. حاسبوا من استخفّ بكم، من باعكم في سوق النخاسة السياسية، من تاجر بأرواح الشهداء ومصالح الأحياء. إن شرف الوطن أغلى من أي منصب، وصدق المواقف أثمن من أي صفقة.
فلنرفع أصواتنا عالياً، ولنجعل من الصدق شرفاً سياسياً لا يُباع ولا يُشترى. فلنبنِ وطناً يُحكم بالعقل لا بالمصالح، وبهموم الناس لا بأطماع الزعماء. فلبنان يستحق أن يُدار بحكمةٍ ونزاهة، لا أن يكون مسرحاً لألاعيب سياسيةٍ مبتذلة.
باسم المصري ١٩ / ٥ / ٢٠٢٥