
باسم المصري
تشهد محافظة السويداء السورية فصلاً جديداً من فصول مأساتها المستمرة منذ اندلاع الحرب في سوريا. فبعد سنوات من الصمود في وجه التطرف والإرهاب، وجد الدروز أنفسهم في مواجهة موجة جديدة من العنف، أجبرتهم على خوض معركة مصيرية للدفاع عن أرضهم ووجودهم. وفي خضم هذه المعاناة، لجأ بعض أبناء الطائفة الدرزية في السويداء إلى التواصل مع إخوانهم في إسرائيل طلباً للدعم والحماية، وهو أمرٌ أثار جدلاً واسعاً واتهامات بالتخوين.
إن فهم دوافع هذه الاستغاثة يتطلب النظر إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه الدروز في السويداء. فقد عانوا لسنوات من التهميش والاضطهاد، وتعرضوا لهجمات وحشية من قبل جماعات متطرفة كداعش وجبهة النصرة، مما خلف ندوباً عميقة في نفوسهم. وفي ظل غياب الحماية الفعلية وتصاعد التهديدات، بدا اللجوء إلى أبناء الطائفة في إسرائيل كخيارٍ أليمٍ فرضته ظروفٌ قاسية. فلم يكن هذا التواصل محاولةً للتنسيق مع إسرائيل كدولة، بل صرخة استغاثة بشرية من أبناء دينٍ واحد، يشتركون في اللغة والتاريخ والثقافة. أليس من حق الإنسان، في لحظات الخطر الوجودي، أن يستنجد بمن يرى فيهم سنداً وملاذاً؟
إن اتهام دروز السويداء بالتخوين يُعدُّ تجاهلاً مؤلماً لمعاناتهم وتضحياتهم. فهؤلاء هم أنفسهم الذين رفضوا الانخراط في دوامة العنف الطائفي، وحافظوا على توازن دقيق في منطقة ملتهبة. وهم أنفسهم الذين دافعوا ببسالة عن أرضهم وعرضهم في وجه الإرهاب، وقدّموا في سبيل ذلك تضحياتٍ كبيرة. فكيف يُمكن لوم من يدافع عن وجوده بأي وسيلة متاحة؟ ألم يلجأ العديد من المعارضين إلى العلاج في إسرائيل أثناء الثورة، بمن فيهم جرحى جبهة النصرة وغيرهم؟ ألم يكن ذلك بدافع الحفاظ على الحياة بغض النظر عن الانتماءات السياسية؟
إن المزايدة على وطنية دروز السويداء تأتي في الغالب من أطراف مارست العنف والإرهاب بنفسها. فأولئك الذين ارتكبوا الفظائع في الشمال السوري وفي صحنايا، يدَّعون اليوم التغيير والوطنية، متناسين تاريخهم المُلطخ بالدماء. لكن الأفعال أبلغ من الأقوال، والذاكرة الجماعية لا تُمحى بسهولة.
إن مأساة السويداء تُجسّد المأساة السورية بأكملها، مأساة شعبٍ مُحاصرٍ بين مطرقة الإرهاب وسندان التخوين. ولعل الحل يكمن في التوقف عن سياسات التخوين والتهميش، والعمل على بناء سوريا جديدة تضمن الحقوق والكرامة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية. فمستقبل سوريا رهين بوحدة شعبها وتضامنه، وليس بالتفرقة والاتهامات الباطلة.