لبنان إلى أين سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣ ؟!

الجزء السادس والعشرون

الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكوش: لن يكون عام ٢٠٢٣ عام الحلّ النهائي في لبنان لكنه يمكن ان يكون عام التسوية المنشودة، صلاحيات الرئيس لا تُمكّنه من قيادة حركة أصلاحية ونحتاج الى اكثر من انتخاب رئيس من اجل الإصلاح الجذري الذي لن تقوم به مكوّنات السلطة الفاسدة الحالية لجشعها ؟!

حمود :
تتسارع الاحداث في لبنان بشكلٍ كبير ويتسارع معها الانهيار والانزلاق بشكلٍ أكبر نحو الهاوية والخشية ان تكون هذه الانهيارات مُقدّمة لما يمكن أن يكون مرسوماً للبنان على الصعيد الامني، وبالتالي على صعيد الكيان. فكل ما نشهده اليوم من تخبّط في الجسم القضائي وتفلّت في سعر صرف الدولار وزيادة معدّل التضخّم والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية كافة، وبداية تفلّت في الطرقات وقطعها من قبل المُحتجين رفضاً واعتراضاً على ما يجري، واستمرار المراوحة دون محاولة السلطات التشريعية والتنفيذية اجتراح الحلول بالرغم من قساوة ما نحن فيه، انطلاقاً من كل ذلك كنا قد بدأنا محاولة استشراف المستقبل من خلال المداخلات القيمة التي زوّدنا بها بعض الخبراء والنخب السياسية، الاقتصادية، والإعلامية والحقوقية والأكاديمية والفكرية للوقوف عند رؤيتهم لما يُمكن ان يكون عليه المستقبل في حال الإستمرار بذات النهج. وقد كان الهدف من ذلك السعي لإجراء “حوار غير مباشر” بين النخب من مختلف الإختصاصاصات وكذلك من مختلف المناطق والمشارب والاطياف والقوى السياسية والحزبية الموجودة على الساحة اللبنانية، وذلك إنطلاقاً من حاجتنا المُلحّة للحوار في هذا الجو العام المُتآزّم، المسموم والملبّد بالغيوم على كل الأصعدة. وقد طرحنا كما تعلمون على هذه النخب عدّة اسئلة تتعلّق بمستقبل الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي في لبنان، وما هي توقّعاتهم في هذا المجال، إضافة إلى الحلول التي يرونها مناسبة كلٌ في اختصاصه، فكان للدكتور عماد عكوش مداخلته القيمة المرفقة التي زوّدنا بها مشكوراً منذ فترة والتي ننشرها اليوم.
ولمن لا يعرف الدكتور عماد عكوش، فهو خبير في الاقتصاد والاسواق المالية باحث اكاديمي وأستاذ جامعي، عضو في البورد الاميريكي للخبراء المحاسبين، عضو في جمعية المدقّقين الداخليين الاميركية، عضو نقابة خبراء المحاسبة المجازين، كاتب ومحلل أقتصادي، مستشار في الاسواق المالية وعمل البورصات.

عكوش
أعتبر الدكتور عماد عكوش انه بالنسبة للموضوع الرئاسي بأنه لا تسوية قائمة في الافق والمُفاوضات الخارجية بين الدول المعنيّة بهذا الملف ولا سيما فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، وقطر. عبر تحليل التحرّكات الاميركية في المنطقة تبدو أنها غير مُستعجلة على إيجاد تسوية لهذا الملفّ، لا بل بالعكس فهي تسعى إلى تعقيد كل الملفات التي يمكن أن تريح في هذا المجال ومنها ملف العقوبات على سوريا الذي يتزايد ويهدد بموجات هجرة جماعية جديدة، ملف النازحين السوريين المتواجدين في لبنان والذي يضغط بشكل كبير في الملف الاقتصادي والامني، ثم ملف رياض سلامة الوديعة والذي لا زال لغاية اليوم يلعب بحياة اللبنانيين من خلال ملفي الدعم وملف صيرفة.
أما عن لبننة الملفّ الرئاسي، فهذا الامر مستحيل وفق النظام السياسي الحالي والذي يتحكّم به الخارج بشكلٍ شبه مطلق خاصةً واننا لن نجد كتلة نيابية ليست مرتبطة بالخارج بشكلٍ أو بآخر، سواء عبر الترغيب أو الترهيب، وبالتالي لا أمل للبننة هذا الملف. وهذا ما نراه من الجميع حيث الجميع ينتظر ما سينتج من مفاوضات قد تحدث هنا وهناك بين القوى الخارجية المعنية بالملفّ اللبناني.
وبخصوص الشخصية التي يمكن أن تصل وتكون مقبولة من الجميع فهذا منوط بأمرين، وهو ما يمكن ان يقدّمه هذا الشخص من ضمانات للجميع من ناحية، ومن وصول كل الاطراف الخارجية الى اليأس من نجاح مرشحها والقناعة بأنه لا بدّ من تسوية. فهذا البلد قام من الأساس ولا زال يقوم على التسويات. فكما أن اقتصاد هذا البلد مدولر فإن نظامه السياسي مُدوّل بسبب ضعفه وتحكّم الخارج به، ويمكن أن يكون قائد الجيش الحالي هو التسوية القادمة بما يُمثّل من نقطة وسط بين الجميع. أما عن دور اي رئيس جمهورية في الإصلاح، فنحن نعلم أن رئيس الجمهورية في لبنان يملك فقط حق التعطيل كما يملك ذلك رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وهو لا يملك القدرة والصلاحيات على إجراء الاصلاحات المطلوبة وفرض القوانين، بل على العكس لان قدرته على التعطيل هي أقل من الرؤساء الأخرين، وكل رؤساء التسوية المنتخبين سابقاً لم يفضي انتخابهم إلى نتيجة إصلاحية، بالتالي فإن صلاحيات الرئيس لا تمكنه من قيادة حركة أصلاحية ونحتاج الى اكثر من انتخاب رئيس من اجل ذلك، نعم كان بامكان كل رئيس سواء رئيس جمهورية أو حكومة أو مجلس نيابي تعطيل التحاصص وبالتالي الفساد وليس المشاركة فيه لو أرادوا، لكن للأسف معظم من أتى تحاصص وشارك في هذه العمليات التي اوصلت البلد الى هذا الوضع الميؤوس منه كلياً.
بالنسبة لعلاقة الاحزاب في لبنان فهي قائمة على تبادل المصالح وليس على تحقيق أهداف استراتيجية ووطنية، وبالتالي فان تحقيق أولوياتها يأتي في المقدمة، وبالتالي ايضاً لن يتخلى التيار عن حزب الله ولن يتخلى حزب الله عن التيار ما دام الطرفان يحقّقان أولوياتهما من خلال هذا التحالف كما تفعل كل الاحزاب.
واضاف عكوش انه بالنسبة للوضع الاقتصادي، فللأسف لا يوجد لدى كل الاطراف السياسية في لبنان أي خطط أو رؤيا أقتصادية، وما يُحكى عن خطة تعافي وقانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي وغيرها من الهطط والمُسودّات الوهمية، فكلها أصبحت مُؤجّلة بفعل الواقع السياسي المأزوم الذي يحكمه عدم رغبة الاطراف كافة عن التنازل وتحمّل المسؤولية السياسية والمسؤولية الاقتصادية، كما أنهم لن يقبلوا بوضع قانون ضريبي عادل يقوم على مبدأ التكافل الاجتماعي من خلال تحميل الطبقات الغنية النسبة الأكبر من الضرائب والرسوم. ولا زالت القوى الأساسية المتسلّطة علينا تُصرّ على قوانين تعفي بها نفسها من ايّة تنازلات عن نسبة معيّنة من الثروات والمكاسب وتحمّله للطبقات الفقيرة المستضعفة لغاية اليوم.
أن ما تملكه هذه الطبقة السياسية اليوم فهو فقط كلام جزئي في الاقتصاد يعالج ملفات تمسّ بعض مصالحها، لأن المعالجات الاقتصادية الجذرية تعني مشاركتها في تحمّل الخسائر وتنازلها عن بعض المكتسبات والمصالح وهذا لن يحصل أو على الاقل لم تقتنع به هذه الاطراف لغاية اليوم، واذلك فأن هذه المعالجات الجذرية لن تحصل.
ما تحاوله هذه الاطراف أو جزء أساسي منها هو تأخير الحلّ لنصل الى وقت يستسلم به الشعب اللبناني ولا سيما المودعين من فكرة أنهم لن يقدروا على استعادة ودائعهم وبأنه عليهم تحمّل الخسارة في الوقت الذي لا زالت المصارف لغاية اليوم تحقق أرباحاً ضخمة.. والدليل الاكبر على ذلك هو ان ودائع المصارف لدى مصرف لبنان تتجه لتكون ودائع المصارف فعلياً، وهي اليوم تبلغ تقريباً قيمة مجمل الودائع فيما كانت في السابق تمثل حوالي ستين بالمئة من إجمالي الودائع.
واكمل عكوش، انه عندما يصل الشعب اللبناني الى حالة اليأس، ستتدخل الاحزاب لتصل الى تسوية فيما بينها تقوم على إعادة توزيع الحصص مجدداً وبمباركة من الدول التي ترعاها اذا كان لها مصلحة بهذه التسوية وهي اليوم للأسف بعيدة، حيث لا زالت بعض الدول تسعى إلى إخضاع لبنان عبر هذا الملف وبالتالي فالحلّ الاقتصادي ولو على شكل تسوية ما زال بعيد المنال.
أما عن إمكانية الإستمرار رغم هذا الضغط والفلتان المعيشي والامني في لبنان، فهذا الامر ممكن من خلال إقرار بعض الاجراءات التي تعمل على تحفيز الاقتصاد وتوقف الانهيار ومنها:
-البدء عملياً بخصخصة إدارات المؤسسات العامة من خلال دفتر شروط يكون واضحاً لناحية المسؤوليات، الغرامات، نوعية الخدمات، الاسعار، الشفافية، سهولة الوصول للمعلومات، حصة الدولة، ومدة العقد والرقابة.
-تعويم سعر الصرف الرسمي بشكلٍ تدريجي حتى نصل إلى توحيد سعر الصرف. فهذا الامر يُخفّض بطبيعة الحال قدرة الدولار على الارتفاع بشكلٍ كبير ويُخفّض من حجم الكتلة النقدية الموجودة قيد التداول.
-تحصيل الضرائب والرسوم نقداً أو من حسابات جديدة .
-دفع كل المساعدات القادمة من الخارج سواء كانت للبنانيين أو لغير اللبنانيين بالليرة اللبنانية وفق سعر منصة صيرفة.
-العمل على زيادة واردات الدولة الدولارية بعد نجاح وزارة النقل في الوصول إلى معدل شهري يزيد عن ثلاثين مليون دولار من هذه الرسوم، وبالتالي تشجيع بقية الوزارات على ذلك ومحاولة الوصول إلى مبلغ المليار دولار سنوياً وهو أمر ممكن.
-زيادة رواتب القطاع العام بشكلٍ متدرج وفقاً لتقييم يتمّ كل ثلاثة أشهر يأخذ بعين الإعتبار حجم الواردات وقدرة الخزينة.
-فتح الإستثمار أمام الشركات الاجنبية كافة للمشاركة في اعادة بناء البنية التحتية وخاصة شبكات ومحطات النقل البري، البحري، والجوي، اضافة الى قطاع الطاقة ولا سيما الطاقة المُتجدّدة ومصافي النفط.
-فتح الباب أمام مصارف جديدة من خلال إعطاء رخص جديدة لإعادة تفعيل القطاع المصرفي. فلا يمكن الاستمرار وإعادة تفعيل الاقتصاد بدون قطاع مصرفي.
-إقرار اللامركزية الإدارية لخفض الكلفة على المواطن اللبناني.
هذه النقاط يمكن أن تكون رافعة اقتصادية لوقف الانهيار الكامل لكنها بالتأكيد ليست حلاً جذرياً ونهائياً لما نحن به ولا بدّ من رؤية اقتصادية شاملة واستراتيجية نعتمدها للوصول الى الحل النهائي.
أما بالنسبة لإمكانية عقد مؤتمر تأسيسي، فلبنان بحاجة الى الحوار الدائم بسبب هذا النظام السياسي الذي يخلق الكثير من المشاكل بين الطوائف بشكلٍ دائم ومستمرّ، وبديل الحوار هو التشرذم والفوضى، نعم الحوار مطلوب لإصلاح نقاط الضعف في هذا النظام السياسي وهي كثيرة تؤدي الى الكثير من التعطيل عند كل استحقاق ، وربما الحوار ضروري لمعرفة ما هو الاصلح للبنان سياسياً واقتصادياً، الحوار مهم للإتفاق على بعض الملفات الهامة والاساسية اليوم والتي تشكل قنابل موقوتة ربما تنفجر في أي وقت ومنها ملف النازحين السوريين. فليس كل اللبنانيين متفقين على معالجة واحدة لهذا الملف، أو على طريقة التخاطب مع الامم المتحدة، المنظمات الدولية، والمجتمع الدولي لوقف هذا النزيف الانساني والاقتصادي .
بناءًا عليه، لن يكون عام 2023 عام الحلّ النهائي في لبنان لكنه من المُمكن ان يكون عام التسوية المنشودة والتي يُمكن ان تعيش لسنوات قليلة كتسوية الدوحة، وذلك لمنع الانهيار الكامل الشامل، هذا الانهيار لا زال لغاية اليوم لا يفيد أحد بل فيه ضرر على الجميع سواء للدول الاقليمية أو للمجتمع الدولي ككل ومنها دول الاتحاد الاوروبي، والذي يمكن أن يزيد من الأزمة التي تعيشها اليوم نتيجة للأزمة الروسية الأكرانية.
على أمل أن تقتنع الاطراف الداخلية قبل الخارجية بضرورة التسوية المرحلية اليوم قبل الوصول الى حافة اللاعودة ومعها ستحصل متغيّرات كثيرة ليس أقلّها الهجرة الواسعة التي لن ترحم أي طرف سياسي أو أي منطقة جغرافية لأنها ستطال هذه المرة الجميع وسيبقى في لبنان من يتقاضى معيشته من الخارج إذا استطاع ان يصمد في ظل فلتان شامل بدأنا نعيش بعضه اليوم.

د. طلال حمود ـ ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ـ جمعية ودائعنا حقنا.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى