الرعب النفطي عربيا ً ودوليا ً

بقلم: ياسين جبار الدليمي

لقد أصبح النظام العربي وتحديدا ً في المشرق العربي بعد غياب زعامة جمال عبد الناصر في 28/9/1970 م يفتقر إلى الناظم الجامع للعرب مع إنحسارية الدور القيادي لمصر العربية بثقلها في منظومةالعمل القومي.
فلم يستطع السادات من إشغال هذا الفراغ على الرغم من الإنتصار والإنجاز العسكري التأريخي في حرب 1973م وإنعكاسية هذا النصر الى إنهزامية قدمت قرباناً على مائدة كامب ديفيد ولتشهد الأمة العربية إنحدارية كارثية ويصبح النظام العربي محكوماً بتبعية الإلحاق في عباءة النظام الرأسمالي الغربي بزعامة أمريكية.

إن النجاح الإستراتيجي الأمريكي في الهيمنة على هلالي النفط
[ الأسيوي – الافريقي ]
عبر كارتلات النفط [ صناعة – انتاج – تسويق ]
وتأمين المصالح الإستراتيجية السياسية الخادمة لمصالها الإقتصادية وربط المنطقة العربية عبر التمدد الحيوي للأمن القومي الأمريكي بثنايئة الحـدود العائمة والمتحــــــــركة بتزاوج نظريتــــي التمـــــدد الاستراتيجي ( البرية – البحرية )
ولتقع الأمة العربية تحت طائلة الحرب الشاملة السياسية – الاقتصادية – العسكرية – الثقافية – الحضارية بأيديولوجية اممية العولمة وبإندماجية هيكلية للأمة العربية – نظاماً رسمياً وشعبياً – اقتصاداً وثقافة وبرامج تعليم وثقافة ثورة الإتصالات الإستهلاكية. طواعية او ترغيبا ً او تهديدا ً او إحتلالاً كما حدث للعراق اوبحروب الانابة العدوانية للكيان الصهيوني في لبنان او بالحروب الأهلية في السودان – الصومال واحتلال ليبيا وحرب اليمن
او بسد الفجوات الإقتصادية بحكم ارتهان الإقتصاد العربي بالنفط وضعف القاعدة الإنتاجية للإقتصاد العربي ولتقطف الولايات المتحدة الأمريكية ثمار إحتلالها للعراق بانطلاقة في المشروع العربي ودول الجوار الاقليمي ككل لأحداث متغيرات سياسية – اقتصادية – اجتماعية وإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية وفقاً لأهدافها الإستراتيجية وتتجسد في:

1- التصدي لحركة التحرر العربي وإشعال الحروب الأهلية والمذهبية.

2- التصدي للوحدة العربية وتعطيل آليات العمل العربي المشترك ومساندة القطرية.

3- خلق القوة الناعمة عبر إيجاد أحزاب وكيانات قومية – إسلامية تدور في فلكها.

4- خلق المجتمع الإستهلاكي – الكمالي المرفه بخدمات العمالة الأجنبية على حساب العمالة العربية ولتكوين أكثرية خطيرة في التركيبة السكانية ومهددة بإنفجارات هدامة مستقبلا إن لم نقل حاضراً.

5- صعود محور دول النفط في مركز الثقل العربي
والتمييز التأريخي في صيرورته كحركة سياسية يراد لها قيادة منظومة العمل العربي المشترك بتاسيس اقتصادي بتراكمية العوائد المالية من بيع النفط العربي وما يقابله من قلة سكانية بالقياس لأقطار غير النفطية ذات الكثافة السكانية العالية.

وهذا التأسيس الإقتصادي – السياسي تحكمه
ديكتاتورية النفط
على قاعدة الإقتصاد الرأسمالي
وآليات السوق الحر ( دعه يعمل دعه يمر )
ممارسة وتطبيقا ً بتوالدية الطبقات الإجتماعية التي تزداد حرمانا ً وفقرا ً وبطالة
وبهجرة كارثية للعقول والكفاءات الى بلدان المنافي الطوعية والقسرية.

وسيادة فلسفة المداحيّن والطبالين الفكرية والسياسية والثقافية ووعاظ السلاطين
سواءاً كانوا بالتفويض الديني
أو شبه الألهي او بالشرعية – البيعة او الديمقراطية المزيفة
وهذا بحد ذاته إنتصار للفلسفة الرأسمالية
وانكفاءة قومية وانحسارية للمد القومي التحرري الوحدوي بالمشرق العربي
وبإنجرار ذلك على الخارطة العربية كلها ( المشرق العربي – المغرب العربي ) بصعود صاروخي لقوى الردة العربية بالغطاء القومي – الإسلامي.

والإنزلاق نحو اليمين المحافظ وبتصنيع عالي الإتقان للحركات التكفيرية – العبثيّة – العدميّة
وعلى بقايا هواة التغيير من رجالات الفكر والسياسة والأدوار والمناصب بتلاقحية النخب المؤهلة أمريكيا ً الخاضعين لقسم الولاء للجنسية الجديدة
بعد سلخ الجلود ومناداتها بالإستقالة الطوعية او القسرية للعرب من القومية العربية والإسلام.
ولتشكل تشكيلا ً برجوازيا ً مثريا ً في أحضان اقطار النفط العربية
وبهدف إستراتيجي لتأسيس عربي لقطبية التراكم الإقتصادي والمالي في محور أقطار النفط
بإرتكازية المركز المتخم ماليا
ً وفقر أطراف هذه القطبية عربيا ً تسهيلا ً للتحكم بعملية صنع القرار في منظومة العمل العربي المشترك
ولو بالحدود الدنيا سياسيا ً – اقتصاديا ً – اجتماعيا ً – ثقافيا ً
وبمحورية القيادة.
وقد فاتهم ان الأمة العربية لا يمكن لها الإختزال محاوراً أو زعامات,
فالزعامة تولدها الأمة من رحم المعاناة فهي
لا تخلق بالمال
ولا بالإعلام
بل هي ولادة عسيرة لمعاناة الأمة ونضالها التراكمي عبر قواها الفاعلة.

إن التغير الدولي الخطير بعد إنتهاء الحرب الباردة
وإنهيار الإتحاد السوفياتي
وتسيّد الولايات المتحدة بقطبية أحادية قد أنجز إسقاطاً على الأمة العربية أرضاً وشعبا ً
وعلى المشرق العربي تحديدا ً بحكم النظام العالمي الجديد الذي يحكمه منطق التطور اللامتكافئ
عبر نظرية التراكم الرأسمالي اعتمادا ً وتبادلا ً بين المركز والأطراف بحاكمية الترابط الكامل بإعتباره نظام إنتاج بالنمط المتجرد وبمستوى متغيرات العلاقة بين الأمم والدول في مرحلة تأريخية محددة وتطورها عبرالمستويات التكنولوجية
والتوازن السياسية – العسكرية داخل منظومة الرأسمالية
وقد تمثل الفوز الأمريكي بالحرب الباردة بصعود المحافظين الجدد بايديولوجية دينية [ صهيو- مسحي ] والإشهار العلني
بوجود عدو أيديولوجي اممي
يتمثل بالإسلام المنتج (للإرهاب) ليشهد العالم
والعرب فصلا ً جديداً من فصول الإستعمار والعدوانية صراعا ً وتصارعا ًبضرورة الصراع التأريخي للرأسمالية بحتمية وجود عدو تصارعه.

فجاء إحتلال أفغانستان
وإحتلال العراق إسفاراً عن صيرورة سياسية في مشروع الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي أولا ً من خلال ( مربع العراق – سوريا – السعودية – دول الخليج العربي )
وإحتلال العالم ثانيا ً إنطلاقا ًمن الوطن العربي:
عسكريا ً – إحتواءا ً افغانستان / الهند – باكستان /اندونوسيا ً – ماليزيا بعد الإحتواء الصلد لرأس الهلال النفطي – الجيوستراتيجي في اسيا الوسطى.

والإنتقال المتلاحق إستثمارا ً إستراتيجيا ً عبر نظرية التعويم للحدود لأقطار المغرب العربي
بسياقات التوسع الإستقطابي
للهلال النفطي الأفريقي :
الجزائر –ليبيا – نايجيريا
دونما إغفال دول دلتا نهر النايجر الغنية باليورانيوم.

فمع تلاحق الأحداث لما بعد إحتلال العراق على خلفية شلل النظام العربي وبمقدماته الإنهيارية نجد ما ياتي:

1- الخضوع لخط التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني والرعوية الأمريكية لها وللكيان الصهيوني معا ً.

2- مسايرة النظام العربي للنظام العالمي الجديد بحكم الإرتباط بالرأسمالية.

3- تفتيت الجهد الإحتياطي والمخزون للأمة العربية من خلال آليات القطرية العاجزة عن الدفاع عن نفسها وعدم تمكنها من بناء إقتصاد متكامل من جهة ومن جهة أخرى بثأرية الحروب العربية – العربية والتنافس الزعامي حلولاً في صنع القرار في منظومة العمل العربي بعد خروج مصر من دائرة الصراع العربي – الصهيوني. فهذا التفتيت قد جاء على خلفية:

1) تصادمية الإسلام بالقومية العربية.

2) تمزيق الوحدة الوطنية داخل الأقطار العربية عبر الحروب الأهلية.

3) تأجيج الطائفية
والمناداة بدولة الأقليات,
دولة قبطية في مصر / دولة للبربر في الجزائر / دويلات الطوائف في لبنان / الدولة الكردية في العراق / إشعال الحرب في الصومال / المناداة بدولة شيعية شرق السعودية
ودولة دينية في الحجاز /
إبقاء مشكلة الصحراء المغربية بلا حل.

إن المشروع الأمريكي بأهدافه الاستراتيجية المتعاقبة يسعى إلى
أولاً وأخراً للاستحواذ على النفط العربي
والعمل على الربط السياسي – الاقتصادي – الثقافي لأقطار النفط العربية وللأمة العربية بالسياسة الاستراتيجية الأمريكية
وتجذير ذلك بالتبعية المطلقة وتنمية المجتمع الاستهلاكي إستنزافاً للموارد والمداخيل المالية لعائدات النفط عبر الصرف بالدولار والتلاعب بسعره وقيمته التداولية.
مما أوجد حالة من التدهور المالي والنقدي تحت طائلة المديونية والخسائر في أصول الأموال العربية. فالنفط العربي قد صار سيفاً مسلطاً على العرب من حيث:

1- إستقواء بعض أنظمة النفط مالياً وسياسياً على بقية الأقطار العربية وابتزازها سياسياً واقتصادياً.

2- استقواء بعض أنظمة على شعوبها بإمساكها بالعائدات المالية ولتديرها في مشاريع فاشلة [ صناعة عسكرية – خطط تنموية ] ودونما بناء دولة عصرية اقتصادياً واجتماعياً ولتجد نفسها أمام تراكمية هائلة من المديونية [ العراق – الجزائر ]

3- البعض قد استثمر الفوائد المالية من بيع النفط في تسابقية عمرانية لبناء المدن على أخر طراز بخصوصية متفردة كما هو حاصل في السعودية – الأمارات – قطر – الكويت, وبالمقابل منها نجد انعدام المؤسسات الصناعية الإنتاجية القطرية – القومية سواءاً كان بالاستثمار أو المشاركة في المشاريع الثنائية / الزراعية – الحيوانية – الصناعية.

إن الثراء المالي لأقطار النفط العربية في المشرق العربي التي تشكل أقلية سكانية من المجموع السكاني العربي بأكثريته الفقيرة الرازحة تحت قيود المديونية الخارجية
قد أوجد تفاوتاً مخفياً في تراكمية رأس المال للأقلية العربية
وجوع الأكثرية بالمنظور القومي والأطواق الخانقة للمديونية الخارجية وتراكم فوائدها
هذا من جهة
ومن جهة نجاح المشروع الأمريكي بالربط والتبعية سياسياً واقتصادياً للأقطار العربية الفقيرة والنفطية بالاقتصاد الرأسمالي بقوة الرعب النفطي
وتراكمية الأموال
والأكثرية العربية الجائعة
مما أوجد أعباء إضافية لأقطار النفط العربية وغير النفطية
انعكست مدياته إلى:

1- إتساع مديات نطاق الأمن الداخلي انجراراً على هامش الحرية والممارسة الديمقراطية بتراكمية وراثية.

2- قمع أية معارضة جماهيرية وغياب الرقابة على أبواب صرف الأموال وعملية صنع القرار السياسي.

3- تشكيل تبعيّة اجتماعية قاعدتها التبعيّة والتخلف والسيادة القطرية المنقوصة بواقع التجزئة.

إن ما يدور في المشرق العربي من احتلال وصراع وعدوان صهيوني قد استنزف المشروع النهوضي العربي [ قطرياً- قومياً ]
وهذا بحد ذاته يسعى لتكريس مفهوم المشرق العربي بإلحاقية جيوسياسية بقيادة الكيان الصهيوني عبر ولادة قيصرية من رحم المشروع الأمريكي
بما يسمى : الشرق الأوسط الجديد بتناغمية النموذج الإسلامي التركي وبغطاء الشرعية الدولية بتأسيس سابق الإعداد والتهيئة عبر التبعية الاقتصادية ومن ثم السياسية من خلال ديكتاتورية الرعب النفطية
وليعيش المشرق العربي تجاذباً مؤسساً له باستحقاقات النفط ورعبه المخيف إنقطاعاً بإمساك العرب بثرواتهم
وبين إنحسار المد القومي والمشروع النهوضي الوحدوي.

والحملة الأمريكية بوسم أية ممانعة والمقاومة العربية وسماً (بالإرهاب ) للمشاريع الصهيو-أمريكية.

فهل يعي العرب مالهم
وما عليهم
اليوم وغداً في محكمة التأريخ؟.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى